الجمعة، 11 سبتمبر 2009

التنوير الديني ودوره الغائب في رفض السلفية الأصولية

ة

أيمن عبد الرسول

تناولت كثيراً قضية الإصلاح الديني في مصر بين الضرورة والواجب الثقافي، وحاولت في كل معركةٍ بين تيارين كلٌ منهما يري التنوير من جهة واحدة عدم التلفيق والجنوح إلي التوفيق غير المخل.

وخلال سنوات من المتابعة والبحث والتحري ، تكونت لدي مجموعة من القناعات ، والممارسات أناقشها معكم بصوت عال ، وهو عن التنوير الديني ، ودوره الغائب في مناهضة الأصولية السلفية بالمعني الثقافي العام لا المعني الديني الضيق ، فماذا يعني التنوير الديني في مجتمعنا الذي لم يزل يعاين خيبات التنوير فيه ، وأمام التيار الأصولي بالذات الذي يحاول تجاوزه ، الجملة السابقة مجازية لأن مجتمعنا ليس ضد الأصولية ، وليس مع التنوير إلا بالقدر الذي يحقق له مصالحه الوقتية ، وفي كل معركة بين التنوير والأصولية نكتشف هذه الحقيقة المُرةّ ، وهي أن التنوير إذا أراد لنفسه البقاء في هذا المجتمع فعليه ارتداء الزي الرسمي للأصولية ، وهذا جوهر المفارقة ، وهي لمن لايعلم الشيء المفهوم في ذاته ، ورغم بداهته يحتاج إلي توضيح !!

لماذا يجب علينا طرح الجديد دوماً في ثوب القديم ؟

لأننا عودنا وتعودنا أن نبحث في التراث عن حلول لأزماتنا المعاصرة ، ولا يقبل منا الجمهور المقصود بالتغيير كلامنا أياً كانت مرجعيته ، إلا وهو يستأنس بالقديم إن لم نحتل - من الحيلة لا الاحتيال - لنجد لما نقول اليوم جذورا فيما قاله القدماء بالأمس ، وهكذا تعود الجيل القديم منا ومن سلسلة طويلة من الكُتاب المحترمين عبر العصور أن نحاول دائماً عدم صدمه بالجديد ، رغم أن هذا المنهج المبتسر ، مضاد تماماً للمناهج المستخدمة في إنتاج الثورات الثقافية ، وهو معاد تماماً للتعلم أيضاً ، ومع ذلك نستخدمه لتوصيل المعلومات إلي غير مستحقيها ، وعن طريق وسيط الكتابة الذي من أهم أغراضه ، إن لم يكن أهمها هو إحداث الصدمة للقارئ ، والدخول معه في سجال عميق حول مايعتقد أنه الثواب ، ثم تبني موقف المخالفة إفتراضاً ، لتحقيق مايسميه سقراط توليد الحقائق من عقل المتكلم !!

ليس الأمر بهذا التعقيد ،إن لم يخل من بعضه اللازم للتعرف علي آليات اشتغال العقل علي ذاته ، وفي كل مرة نعمل فيها العقل مع القارئ الذي نحاول اقتحام عقله ، يتفاعل معنا سلباً متحصناً بما يسميه علماء النفس واللسانيات باستراتيجية الرفض ، وهي تلك الآلية الدفاعية التي يتحصن بها القارئ كل قارئ ضد مالم يألفه من أفكار ، لأن القارئ - كل قارئ- هو ذاته مُشكلة بعدد من الأطر المعرفية والقيمية ، وصاحب نسق يبدو له متكاملا من المقولات والأدوات المنتجة لمعرفته الخاصة بالذات - حاملة النسق- وبناء عليه عندما يتعرض هذا النسق وحامله إلي حزمة من الأفكار غير المألوفة ، يرفضها متحصناً الرفض لتغيير نسقه المعرفي ، لذلك يري سقراط أن مهمة التفكير الفلسفي هي إثارة السؤال لأن الإجابة دوماً في بطن المسئول وأننا لا نكشف حقائقنا للناس حتي نتباري أمام جهلهم ، ولكننا نكتشفه معهم وهي تصعقنا باكتشافهم لها!!

وهكذا نجد أن التنوير قضية عادلة تحتاج إلي محام ناجح، يتبني القضية بوصفها توليدا مشتركا للمعني بين القارئ وكاتبه ، ولاشك أن الحقائق التي نتوصل إليها بمعرفتنا ، حتي مع مساعدة الآخرين تصبح أكثر جدوي عن تلقيها من الكاتب الذي يرتدي دوماً زي الأستاذ لأننا ببساطة نرفض دوره وحقائقه التي اكتشفها بعيداً عنا ثم جاء ليعرضها علينا متعاليا!!

أما كيف نحل إشكال التنوير والأصولية في ضوء هذا المقترح ، فهذا حديث آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صرح من غير متجرح