تقرير سري للكنيسة ضد مؤلف قبطي يدافع عن النبي محمد
أيمن عبدالرسول
في يونية 1985 توفى الكاتب القبطي وأستاذ الفلسفة بكلية تربية جامعة عين شمس الدكتور نظمي لوقا , وتهرب كاهن كنيسة مصر الجديدة وقتها من الصلاة عليه . صلاة الموتى وقتها سرت همهمات بين المشيعين حول ما إذا صدر ضد الراحل أمر حرمان كنسي , أم أن تصرف الكاهن مبعثه موقف شخصي من الفقيد, ولكن المسألة تعود إلى أبعد من ذلك التاريخ , تحديداً في عام 1959 عندما أصدر المؤلف كتاب عنوانه محمد الرسالة والرسول , أثار عدداً من علامات التعجب والإستفهام حول الرجل , وتحيداً إن كان قد أسلم سراً أم أن إنبهاره بشخص النبي محمد (ص) كان دسيسة نصرانية على الإسلام ؟
ولم تتدخل الكنيسة وقتها بشكل رسمي – وهي عادة الكنيسة الأرذوكسية في التعامل مع القضاية الشائكة – ولكنها وعدت المتشككين في عقيدة الرجل بعمل تقرير عن الكتاب , وتم التعتيم على الكتاب وتقربره , إلى أن اكتشفنا أن القمص سرجيوس (أحد المطارنة الكبار في عصر الوحدة الوطنية وخطب الناس من على منبر الجامع الأزهر في ثورة 1919 ) كتب كتاباً سرياً لايوزع خارج الكنيسة شكل نصه التقرير الذي وعدت به الكنيسة , في هذا الكتاب الذي يحمل إسم (الدكتور نظمي لوقا في الميزان , رداً على كتابه , محمد الرسالة والرسول) فماذا كتب القمص سرجيوس في تقريره أو كتابه ؟!
كتب: تعرضنا لكتاب نظمي لوقا لأنه كتب عن محمد على حساب المسيح , بينما كتب الكتاب المسلمون عن المسيح , ولكن ليس على حساب دينهم , بل كانوا إذا ما أضطروا إلى تدوين حقيقة عن المسيح لايمكن إنكارها , كانوا يكتبونها في لباقة وخفة يد بحيث يتحاشون الإصطدام مع دينهم وكتابهم , وبحيث لا يشعر القارئ أنهم هربوا أو تحاشوا عن الإصطدام !!
أما د. نظمي المسيحي الصليبة – كما يصف نفسه – فقد خيل إليه أنه يذيب المسيحية ويجعل منها مداداً يصوغ به عقود مدح لمحمد ودينه , الأمر الذي لحظه قارئهو كتابه فقالوا:"أنه مسلم أكثر من المسلمين , ومحمدي أكثر من محمد!
بدليل انه أخذ يفسر آية القرآن (فسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون ) فقال في صفحة 134"أن أهل الذكر هم من يذكرون الله ويصدقون ويتقون " وهذا التفسير يخالف تفسير أئمة الدين الإسلامي , وفي مقدمتهم الإمام البيضاوي الذي فسرها بقوله : أهل الذكر همم أهل الكتاب أو علماء الأحبار " بل يخالف نص القرآن الصريح " وإن كنت في شك مما نزلنا إليك فسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك – كذا في الأصل – كما يخالف سياق الكلام
وهذا التعسف من د. نظمي المسيحي , لأنه لايريد أن يعترف بكتاب اليهود والنصارى أهل الذكر , ثم يقرر سرجيوس حكمه النهائي الحاسم : د. نظمي دخيل على الإسلام , بل هو معجون بالإسلام عجناً , بل على حد القول :" نزل من بطن أمه مسلماً "!! ثم يحيلنا سرجيوس إلى فقرات من كتاب نظمي لوقا التي يدافع فيها عن شخص النبي محمد على حساب المسيح من وجهة نظر سرجيوس , ويفندها ويبررها بعواطف نظمي المختلة ومشكلاته النفسية , متخذاً من السخرية سلاحاً حاداً ضد نظمي .. ولعل هذا لتقرير السري , الذي يتادوله الأقباط سراً هو تفسير لغز دفن نظمي لوقا في مقابر الأقباط دون صلاة الجنازة عليه
فهل يرى كتاب سرجيوس النور ؟ الجواب بالتأكيد لا.. لأنه سيلزمنا بالتحقيق الثقافي على الأقل في قضية حساسة طرفاها غيبهم الموت , ليس لهذا السبب فقط ولكن لأنه سيكشف وجهاً أخر تحرص الكنيسة الأرذوكسية على إخفائه إحياءاً لمواسم الوحدة الوطنية , وعدم نزع فتيل الإحتقان الطائفي في مصر , والأخطر من ذلك والأهم , هو لفت النظر إلى كتاب تم الإتفاق ضمناً على تكفير مسيحية صاحبه , وحرمانه من ملكوت الله لأنه كتب إنصافاً فلسفياً للنبي محمد , وكيف يقرأ الآن ؟ !
نشرت بجريدة عيون الليل العدد5, 18-8-2009
مدونة تهتم بنشر الوعي النقدي حول الإسلام
أيمن عبد الرسول
- أيمن عبدالرسول
- القاهرة, Egypt
- كاتب مصري، نائب رئيس تحرير موقع الأزمة أون لاين، باحث في الإسلاميات التطبيقية, مصري جداً مؤلف كتابي (في نقد الإسلام الوضعي)و(في نقد المثقف والسلطة والإرهاب)المدير التنفيذي للمركز المصري لدراسات المواطنة والحالة الدينية في مصر،كاتب عمود في العديد من الجرائد والصحف المصرية والعربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
صرح من غير متجرح