متى نقول لأ..؟!
أيمن عبد الرسول
نتحدث عن الحرية , وللجميع وعندما يتكتل من يصورون أنفسهم على أنهم الجميع ضد حريتنا التي دافعنا نحن عنها نندم ونشعر بعمق المأساة التي صنعناها بدفاعنا عن الحرية , ولا تعرف ماذا تعني الحرية في مجتمع لم تزل نخبته تنافح وتكافح الأُميتين الأمية السياسية والثقافية , وشعبُ لم يستوى بعد ولا أمل في سواه مع كل هذا اليأس!!
تجبر أحياناً على محاولة توضيح البديهيات , ومع من لايفهم البداهة مبدأياً لاشك أن الأمر معقد ومربك , ماعلينا علينا نحت القوافي من مقاطعها وليس علينا إذا لم يفهم البلد , تقابل ناس مدعي فهم ومدعي ثقافة حافظين بُقين – عدم اللآمؤاخذة- بيضحكوا بيهم على الجهلة ومحدودي المدارك , سواء أتخذوا شكل خطباء على منابر التطرف أو دعاة على باب جهنم , أو نجوم في سماء القنوات الفضائية , أو كُتاب (ويالها من مهزلة) في الصحف !!
والأكثر إثارة للغضب والدهشة والسخرية (ياه كل ده !!) هو ظاهرة الغباء الثقافي والإستغباء , وانصر أخاك جاهلاً أو مجهولاً وهي نظرية عربية أصيلة بنت البنية القبائلية للثقافة العربية , المتابع لختاقات المثقفين في مصر سيكتشف بدون مبالغة أننا أصبحنا قبائل , ومتناحرة أيضاً ولكن أحياناً لا نعرف لماذا نحن متعاركون ولصالح من ؟!
الطريقة الوحيدة التي يجب علينا التعامل بها مع القضاية الجادة هي الحسم ولكن من أين ياتي هذا الحلم في ثقافة بنيت على الإلتباس ؟!
نعم الثقافة العربية ثقافة إلتباس وتسطيح وإذا حاولت إصلاحها في منطقة , تضرب منك في التانية – خلينا نتكلم بصراحة وبالمصري لا العربي لأن العربي أصل كل سوء فهم وتفاهم وأكثر لو كان أهلي يعلمون !!
هل هذا عداء مجاني للثقافة العربية المجيدة التي نكتب بلغتها ونكره مناهجها في التكفير – آسف أقصد التفكير , بس هيه تمشي برضه – هو ده بالظبط إللي أنا عايز أقوله إن كل حاجه ممكن تمشي الكلمة وعكسها زالفكرة ونقيضها والحرام وحلاله والصح وخطأه , مسألة مربكة , ملخبطة يعني بس انا شايف إنها واضحة زي الشمس !!
تعالوا أوضح لكم أكثر الثقافة العربية ثقافة رجال لا ثقافة مقال .. ماذا تعني هذه العبارة ؟
نحن نعتمد في التراث الثقافي العربي علي السيرة الذاتية المنقولة لنا عن الراوي الذي يبلغنا الحكايات التاريخية , الروايات النبوية – باختصار نحن نصدق القائل أو نكذبه بغض النظر عن مصداقية المقولة نفسها في ذاتها – وهل هناك كارثة ثقافية في العالم أخطر من بنية هذه المقولة ؟!
لأ.. ليس هذا وفقط الموضوع أكبر من هذا
أنت مطالب كمسلم بالإيمان بالمسيح وموسى وغيرهم من انبياء العهد القديم بينما أتباع العهد القديم والجديد على التوازي لا يؤمنون بنبيك ولا دينك , ومطالب بالوقوف موقف المدافع عن دينك ضد أعدائه , وكذلك أن تبشر أعدائه به بالحكمة والموعظة الحسنة , حتى إذا انسلخت الأشهر الحرام فاقتلوهم حيث سقفتموهم وضرب الرقاب وأقعدوا لهم كل مقعد!!
ولايعرف مسلم هذه الأيام الإسلام دين محبة وسلام على طريقة لكم دينكم ولي دين ولا دين إرهاب على طريقة شدوا الوثاق ؟!
الموضوع بجد خطير لأن الناس التي لا تعرف معنى دينها هي التي تدفع ثمن هذه الإلتباسات , فلو سب متنصر غير معترف بنبوة محمد نبي الإسلام , كيف يسب المسلم نبي النصرانية وهو مؤمن به , وعندما يدعو الخطباء على المنابر بخراب بيت اليهود , لا يمكننا أن ننسى إسم النبي موسى نبي اليهود المذكور في المصحف العثماني أكثر من 13مرة!!
قس على ذلك كل الا لتباسات التي نعانيها وأصداؤها في حياتنا الثقافية المصرية .. وهي نتيجة مؤلمة لسيادة الذهنية العربية الإسلامية التي تحرص على تمييع كل القضايا وترقيع كل المقولات , ومع أنك تحاول الحسم تجد نفسك متورطاً في هذه الحالة من اللا حسم واللا سلم واللا حرب في مجتمعنا المصري الجميل الذي يكره النظر في مراياه وعندما تصدمه بالحقيقة يصدمك بتحطيم المرآة , وعندما تحاول توضيح الأمُور له بحسم , يتهمك بالعمالة والخوانة وغيرها من التهم الجاهزة التي يلقيها في وجهك دوماً من يعجز عن مواجهتك !!
أيها السادة أخلعوا الأقتعة أولاً , ثم دققوا النظر في مراياتكم , ثم حددوا ماذا تريدون من الغد القادم رغماً عنكم , وأنتم لاتملكون منه إلا التمني , ولاتقدرون على حل مشاكلكم مع أنفسكم , ولا دينكم الذي من المفترض أن يكون حاسماً فيتلاعب بالتأويل معكم وعليكم في ذات الوقت ,
نرفض التفرقة بين الناس على أساس ديني والمسلم السني الحنبلي يكفر المسلم السني الحنفي!!
نرفض الدولة الصهيونية المبنية على أساس يهودي ونؤمن بموسى مؤسس المشروع الصهيوني وقاتل المصريين ضرباً بيده القوية وبعشر ضربات الهية لأجل عيون شعب الله المختار , هل من الممكن ان نستوعب هذه التناقضات الكارثية التي تحتويها ثقافتنا المخجلة أمام العقل والعلم والمنطق؟!
وبعدها يأتي جاهل متخلف يقول لي : إللى يختاره الشعب هو اللي يمشي !!
لأ ده الشعب هو اللي لازم يمشي قبل مايمشي كلامه علينا فنموت بقهرتنا وحصرتنا لأننا بدفاعنا عن الحرية قتلنا حريتنا أنا بدافع بس عن حرية ضد الطائفية والقبائلية , أما حرية الهمج والجهلاء .. أنا بالتأكيد ضد حرية الغباء!!
نشرت بجريدة البلاغ الجديد18-8-2009
مدونة تهتم بنشر الوعي النقدي حول الإسلام
أيمن عبد الرسول
- أيمن عبدالرسول
- القاهرة, Egypt
- كاتب مصري، نائب رئيس تحرير موقع الأزمة أون لاين، باحث في الإسلاميات التطبيقية, مصري جداً مؤلف كتابي (في نقد الإسلام الوضعي)و(في نقد المثقف والسلطة والإرهاب)المدير التنفيذي للمركز المصري لدراسات المواطنة والحالة الدينية في مصر،كاتب عمود في العديد من الجرائد والصحف المصرية والعربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
صرح من غير متجرح