في الوقت الذي ينتصر فيه الإسلام يظهر خصومه..تلك بداهة منطقية ويحرس علماء الدين في كل زمان على الردعليهم وكشفهم , ولأن الإمام أبوحامد الغزالي مجدد القرن الخامس الهجري والملقب بحجة الإسلام – على مافي هذا التوصيف من مجانية – ومؤلف الكتاب الجامع إحياء علوم الدين , كان من حراس الدين القيم , وقد ظهرت في عصره الفرق الدخيلة على الإسلام من الفرق الضالة كان لازاماً عليه فضح هذه الفرق , وكشف طرق عملهم , وفضح عقائدهم التي يلبسون بها على العامة من المسلمين , كتب هذا الكتاب الذي أخرجته مكتبة الأسرة هذا العام في طبعة جديدة (فضائح الباطنية) والذي يكشف اللاعيب أعداء الإسلام في القرن الخامس الهجري , والُمثير للدهشة هو أن تلبيس مثل هذه الفرق لم يتغير ,وكأنه يتحدث عنهم الآن في أيامنا هذه ,ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب , والذي نكتفي منه بعرض أساليب دخول أولئك النفر إلى عقول المسلمين وقد نظموها على تسع درجات مُرتبة, ولكل مرتبة إسم أولها الزرق والتفرس ثم التأنيس ثم التشكيك ثم التعليق ثم الربط ثم التدليس ثم الخلع ثم السلخ ولنبين الآن تفصيل كل مرتبة من هذه ؛ ففي الاطلاع على هذه الحيل فوائد جمة لجماهير الأمة
وكأننا نستأذن في أدب يليق بحضرة جلال العلم من شيخنا ومعلمنا التدخل بالتبسيط والتوضيح بلغة تليق بعصرنا وبساطة لغته للتفهيم والتبسيط الذي لانرجوه مُخلاً
فأما الزرق والتفرس فهو خاص بمواصفات الداعي إلى الباطنية , وعليه الإحتراس وتوقي الحذر في إختيار الشخص المستهدف تجنيده , هي مهام تشبه إلى حد كبير حرب الجواسيس , وتجبر العميل السري الذي يقوم بالتجنيد على اختيار الهدف بعناية , وعدم إضاعة الوقت معه إلا بعد الكشف عن نقاط ضعفه , وإنفعالاته , ولايكشف العميل الباطني نفسه للمجد قبل إكتشاف لينه وتقديمه الدليل على هوى في نفسه وميل للتبطن , عن طريق مراقبة إنفعالاته , وأنه لين العقيدة غير ملتزم بها يسهل استدراجه للمذهب الباطني وهذه هي المرحلة الأولى
ومع ذلك يجب على العميل ان يلتمس ذوي العقول الراجحة الذين يميلون إلى الذكاء والثقة في عقولهم وأن يتوخى الحذر في رد الظواهر العقيدية إلى البواطن بمقاس فطنة وذكاء المستهدف- مهمة صعبة لا شك- ويأتي التفرس يدعو الداعي إلى عدم التمسك بمنهج واحد في الدعوة , بل يبحث أولاً نفسية المستهدف وعقائده حتى يختار المدخل المناسب لدعوته , فمثلاً إذا التمس في المستهدف الميل إلى الزهد والتقشف أختار له مايناسب هذه الحالة من أحوال الباطن والح عليها , ولو تلمس منه العكس , أي ميل إلى الدنيا ةالملذات واشهوات يلعب على هذا الوتر فأنه أجدى مع النوع المستهدف, فيبين للأول مدى الحرص على الزهد والصدق والإخلاص وغيرها من الصفات التي يحبها , ويعينه عليه- أي والله- ويوضح للثاني أن العبادة بله , وأن الورع حماقة ,وإنما الفطنة في اتباع الشهوات , ونيل الملذات, وقضاء الوتر , واذا كان المدعو من الشيعة , يشجعه على ذم بني تيم – قبيلة أبوبكر- وبني عَدي- قبيلة عمربن الخطاب- وبني أُمية وبني العباسوأشياعهم ويحرضه على التبري منهم وتولى الأئمة الصادقين , وفي انتظار المهدي !!
وهكذا مع كل أصحاب الأديان والمِلل والنِحل , يأخذ كلٌ على هواه لمده في غواه وهذه هي الخطوة الأولى
وتأتي خطوة التأنيس والمساندة لدعم الموقف الأول بمرافقة المدعو إلى مذهبهم في حله وترحاله , ومراجعته –بحكم العِشرة- بين الحين والآخر حتى يطمئن العميل إلى أستواء الزبون !!
وهكذا يكون قد سانده في دعواه إلى أن تأتي مرحلة التشكيك ,وهي اجتهاد مُضاد في الإتجاه مساو في المقدار للمرحلة السابقة , وفيها يبدأ الداعي في تغيير عقائد المدعو للباطنية , عن طريق السؤال والجواب بعدما تحكم حب الداعي في قلب المدعو , والمسامرات والمناقشات يأتي دورها بعد الإنسجامات!!
وتكون الأسئلة من قبيل التشكيك في متشابه القرآن وا؟لأحكام وهي أسئلة تتخذ من العقلانية والمنطقية ستاراً كثيفاً ويطلب من المجند عدم التسرع في الجواب والاستغراق في حالة الاستبطان وبهذا ينفتح الباب أمام الداعي والمدعو لإعمال العقل الباطن ولا يجيبه الداعي بجواب وانما يتركه في حيرة المئول عما لايعلم والمنكشفة له آفاق التجلي
ويأتي دور التعليق وهو ان يطوى على جانبه الشكوك السالف ذكرها ويطلب من المدعو عدم الإلحاح في السؤال إذ رربما كانت الإجابة واضحة جلية إلا أنها لاتظهر إلا للخاصة من ذوي العلم اللدني , وانه لايصح أن ينكشف الحق لغير أهله , ولا ينثر لدر الثمين على الغنم !!
ثم تأتي حيلة الربط وهي ربط لسان المدعو عن الخوض في هذه المسائل الحرجة مع أي مخلوق , وذلك بربطه بأغلظ الإيمان ووالتحرس من تبيان دعوته إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً .. ويلتزم المدعو بهذه الحيلة وإلا لن يرتفع إلى الدرجة التالية ويلزم حده
وفي الدرجة التالية يكون المدعو قد طاب لأكليه من الدعاة , وهي التدليس على المدعو للصعود إلى الهاوية ويأخذ فيه العميل العهد على المجند الجديد , ويمليه عدة وصايا لو قام بها والتزم , سيعبر إلى هناك , حيث التلبيس وهي المرحلة التي يجب علينا لأهميتها الوقوف لديها وفيها يتفق الداعي مع المدعو على مقدمات يتسلمها منه
مقبولة الظاهر مشهورة عند الناس ويرسخها في نفس المدعو ثم يستدرجه منها بنتائج باطلة , كقوله : أن أهل النظر لهم أقاويل متعارضة لأحوال متساوية وكل حزب بما لديهم فرحون .
والمطلع على الجوهر الله , ولايجوز أن يخفي الله الحق , ولايوجد أحد يجوز أن يكل الأمر إلى الخلق يتخبطون فيه خبط العشواء ويقتحمون فيه العماية العمياء .. إلى غير ذلك من مقدمات مستعضلة !!
وفي النهاية تأتي حيلة الخلع والسلخ وهما متفقان في الأمر وإنما يفترقان في ان الخلع يختص بالعمل فإذا أفضوا بالمستجيب إلى ترك حدود الشرع وتكاليفه , يقولون : وصلت لدرجة الخلع
وأما السلخ فيخص الإعتقاد الذي هو خلع الدين , فإذا انتزعوه من قلبه دعوا ذلك سلخاً , وسميت هذه الرتبة البلاغ الأكبر
ويا مُثبت القلوب ثبت قلبنا على دينك!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
صرح من غير متجرح